حوادث الطيران- بين الواقع والإدراك ومؤشرات السلامة المتنامية

المؤلف: منيف الحربي11.04.2025
حوادث الطيران- بين الواقع والإدراك ومؤشرات السلامة المتنامية

شهد الأسبوع المنصرم سلسة من الأحداث المؤسفة في عالم الطيران، حيث وقع حادثان جويان خلال فترة وجيزة لا تتعدى 24 ساعة. ففي الحادثة الأولى، تحطمت طائرة شحن من طراز بوينج 737 أثناء قيامها بمحاولة للهبوط في أحد مطارات دولة ليتوانيا. هذه الكارثة الجوية أدت إلى وفاة أحد الطيارين، بينما نجا الطيار الآخر بالإضافة إلى اثنين من الركاب، أي أن ثلاثة أشخاص نجوا من أصل أربعة كانوا على متن الطائرة. وفي سياق متصل، شهدت مدينة أنطاليا التركية حادثة أخرى، حيث اندلع حريق هائل في طائرة من طراز سوخوي لحظة هبوطها. يعود سبب هذا الحريق إلى ارتطام أحد محركات الطائرة بسطح المدرج نتيجة للرياح القوية التي كانت تهب في تلك اللحظة. ومع ذلك، يجدر بالذكر أنه تم إجلاء جميع الركاب بسلام ودون وقوع أية إصابات تذكر، مما يخفف من وطأة الحادث.

يثير البعض تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت حوادث الطيران قد ازدادت بالفعل في الآونة الأخيرة، أم أن الانتشار السريع للأخبار وتوفرها بسهولة هو ما يجعل هذه الحوادث تبدو أكثر تكراراً وشيوعاً؟

من المنطقي أن نشهد ارتفاعاً في أعداد الحوادث الجوية بالتزامن مع الزيادة الهائلة في عدد الرحلات الجوية، والطائرات المستخدمة، وأعداد المسافرين. ومع ذلك، فإن الأمر المطمئن هو أن أنظمة السلامة وإجراءاتها تشهد أيضاً تطوراً مستمراً. تشير الإحصائيات والأرقام المتوفرة إلى تحسن ملحوظ في مؤشرات السلامة في مجال السفر الجوي، مما يعزز الثقة في هذا القطاع الحيوي.

يشير التاريخ إلى أن أول حادث جوي لطائرة مدنية قد وقع في السابع من شهر أبريل من عام 1922، عندما اصطدمت طائرتان، إحداهما فرنسية والأخرى بريطانية، فوق مدينة بيكاردي الفرنسية نتيجة للظروف الجوية الضبابية. أدى هذا الحادث المأساوي إلى وفاة جميع الركاب السبعة الذين كانوا على متن الطائرتين، وكان من بينهم رجل أمريكي وزوجته. ومنذ ذلك الحين، شهدت الأجواء ومدرجات المطارات سلسلة من الحوادث المفجعة التي نجمت عن عوامل متنوعة، مثل الظروف الجوية السيئة، والأعطال التقنية غير المتوقعة، أو الأخطاء البشرية. الأمر الإيجابي في هذا السياق هو أن قطاع الطيران قد استخلص دروساً قيمة من تلك الحوادث، حيث عمل المتخصصون في هذه الصناعة على مدى العقود الماضية على دراسة وتحليل هذه الحالات بدقة، وجمع الأدلة اللازمة، وتحديد المخاطر المحتملة، وتحديث الأنظمة والإجراءات، وسنّ التشريعات والقوانين التي تضمن توفير أقصى درجات الأمان والسلامة لكل مسافر في كل لحظة من رحلته.

إذا كنت تستمع أو تقرأ عن حوادث الطيران بشكل شبه يومي أو أسبوعي، فمن المهم أن تعلم أن صناعة الطيران لا تكاد تمر عليها فترة أسبوع إلا ويتم خلالها عقد مؤتمر أو منتدى متخصص في مجال سلامة الطيران والتحقيقات الجوية. تُعقد هذه المؤتمرات والمنتديات بشكل دوري ومستمر في مختلف دول العالم وأقاليمه، وتركز بشكل أساسي على مناقشة أحدث التطورات والتقنيات، وتحسين الممارسات المتبعة، ومواجهة التحديات المتزايدة، خاصةً مع التحول الكبير في الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة، وظهور توجهات تتحدث عن إمكانية الاعتماد الكلي على التقنية في تسيير وإدارة العمليات الجوية في المستقبل القريب.

الجانب المشرق في هذه الصورة هو أن الإحصائيات والأرقام تشير إلى أنه في عام 2023، سافر جواً ما يزيد على 4.6 مليار شخص حول العالم. ومن بين هذا العدد الهائل من المسافرين، لم يتم تسجيل سوى 72 حالة وفاة نتيجة لحوادث الطيران. وقعت 30 حادثة فقط من أصل 37.7 مليون رحلة جوية، والغالبية العظمى من هذه الحوادث لم تسفر عن خسائر في الأرواح. وهذا يعني أن نسبة وقوع حادثة جوية بلغت حادثة واحدة فقط لكل مليون ونصف رحلة جوية، مما يعكس مدى الأمان الذي يوفره السفر الجوي.

توكلوا على الله واستمتعوا بتجربة الطيران الممتعة والآمنة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة